ضمن سلسلة: شخصيات توروكية: سجل توروك

نشر بتاريخ 12 سبتمبر 2017 10:35:37

#سجل_توروك

هو من الشخصيات العامة  بمفهومها الحقيقي ، فهو معروف في الساحة التوروكية و على صعيد منطقة "أمغى" ، بل إن شهرته بلغت الافاق حتى وصل صداها الى ما عدى توروك من القرى و النجوع و المدن القصية عن "أمغى" خصوصا و "أسامر" عموما . فما السر وراء ذلك يا ترى ؟

#عمي_حساين_جابر ، الشهير ب #حساين_لعوان اطال الله في عمره ، ينحدر من زقاق ايت خليف (لعلو ن خليف) بقصر توروك  احد الازقة العريقة التي تشكل الفسيفساء المعماري للقصر العتيق الى جانب باقي الدروب الاخرى المتنوعة و المتراوحة بين الطول و القصر ، و القدم و الحداثة.

تناولنا للشخصيات التوروكية ليس على سبيل حبنا في ذكر اشخاص عاديين هكذا فقط جزافا  ، كلا ، ( و إن كان ذاك فعلا يدخل في بوثقة أو من باب حبنا لهم ، هذا اكيد ) ، بل نقصد ان الهدف من ذكرها هو انها فعلا هم اشخاص عاديين لكننا نعني بروزهم على الساحة لصنيعهم الذي بلغ مداه ابعد نقطة ممكنة ، ثانيا لخدمتهم الصالح العام حتى اصبحوا قبلة يحج اليها لإستشارة و تبادل الرأي و الأخد من تجربتهم في امور كثيرة تراكمت عندهم مع توالي العقود و توالي الزمان ، الى ان اصبحوا اهلا لأن يتشاور معهم في امور عدة دينية - حسب التخصص و حسب علمهم بالنقطة المطروحة عليهم موضوع النقاش - و كذا دنيوية.

ولد القدير عمي حساين يتيما على غرار الكثير من الصبية في هذا الكون في عام معركة " بادو " اي في شهر ثمانية من عام ثلاتة وتلاتين و تسعمائة و الف ، و جاهد في سبيل تكوين نفسه حتى امسى رب اسرة كريمة استطاع المثابرة في خضم الحياة الهائج ، خاصة و انه بعد اقل من ثلاث سنوات او يزيد قليلا من و لادته كف بصره ( و تقول التوروكية السيدة المسنة "ب.خ" في معرض حديثها عنه بخصوص هذه النقطة : " يا حساين انك قد ولدتهما اي العينين تقصد الاولاد الذين عوضه الله بهما ) ، و هو لا يزال صبيا ، لكن اعاقته تلك لم تصده من ان يبرز و قد عوضه الله بقوة البصيرة النافذة و الحس الثقافي و الوعي ما مكنه من التفوق على اقرانه . و يقول بهذا الصدد انه لازال يتذكر كيف كانت بعض الالوان القليلة من مثل ( اللون الابيض ).

يتسم الرجل بحس قوي فقبل مناقشة اي موضوع مع احد زواره و بشكل خاص عندما يتعلق الامر بموضوع شخصي او حساس تخبره حاسته - السادسة كما يقال - بأن شخصا  اخر هنا في مجلسه - محل النقاش - فيرتئي السكوت او تغيير الموضوع الى حين انفراده بالمعني ، درءا لأي احراج قد يعتري طالب المشورة.

معروف عنه اكرمه الله انه انسان بشوش يلقى زائريه بوجه طلق حسن ، طيب السريرة ، ذو انفة و تؤدة ، يمعن الانصاة ، يجيد تلقف اصل المشكل او وجه الخلل في الموضوع المراد فك شفرته و حل معضلته ، لا يتسرع ، يتمهل في الرد ، يتريث في الحكم . له من الميكانيزمات الخاصة و الألاء و النعم الجسيمة التي حباه الله بها ما يؤهله ليطلب في مناسبات جمة تهم الشأن الخاص للاسر التوروكية ( لعقد الصلح بينها مثلا او قصد تقسيم التركات ، فهو استاذ و شيخ ضليع في ميدان تقسيم التركات ... الخ ).
او ما هم الشأن العام التوروكي ( اي كل ما له علاقة بأمور القبيلة  للبلدة كالبيوعات او تقسيم الاراضي حسب الابراج التوروكية).

يعتبر سجل توروك الاول عمي لعوان ، منجما للمعلومات و مركزا هاما لأخبار الاقدمين من توروك بل و كثير من الاسر الاخرى خارج توروك ، إذ متعه الله بذاكرة قوية تلتقط المعلومات بسرعة ، بهذا يتضح بان سجل توروك (عمي حساين) يملك عن تاريخ توروك الكثير كما ان له دراية بالثقافة التوروكية خاصة منها القديمة ، زد عليه توغله في علم الانساب فهو ملم بالاسر التوروكية و العلاقات التي تجمع بينهم ، اضافة الى علمه بأصول العائلات اي من اية منطقة ينحدرون في اصولها ( اي هذا من خلف كنات و ذاك من ازغار و أولاءك تجد اصولهم كذا ... ) كلهم من توروك لكننا نقصد الاصول الاولى قبل التحاقهم بتوروك و اصبحو من توروك  مع توالي القرون ).

و لا ننسى درايته المتفوقة في العقار و نصيب كل وريث و ما آل اليه حق كل واحد في حال اقتسام التركات.

إذا ما اردت او استعصى عليك الحصول على معلومات عن توروك فما عليك الا التوجه صوب ( لعلو ن تمازيرت ) حيث منزل الشيخ العارف بالله  الذي لا يبتغي جزاءا و لا شكورا من جراء اسدائه للنصح و الارشاد و فك للمعضلات التي تصادف او تستعصي على رواده من سكان البلدة او غيرها ، إذ  يعمل بما امكنه الله من حفظ للقرأن الكريم ان يستحضر بركته اثناء ذلك ، و يذكر الرجل بان من شيوخه فالذين حفظوه ما تيسر من كتاب الله (بالسمع طبعا)  الشيخان سيدي مكي و الحو ازهمي تغمدهما الله بوافر رحماته ، و اطال في عمر الاحياء.

لا شك ان طريقته في الحديث من بين اسباب نجاحه في التواصل ، اذ يتكلم الرجل بحكمة و لين و كياسة و مسايسة مع من يحاوره . كما لا يتوانى في الصدح بالحق ، فهذه احدى الشخصيات من زائريه استشارته ، و عندما فرغت من مسألتها اجابها بحزم من انه ليس لذيها ادنى حق في ما ادعته او كانت تحاول ان توهم الشيخ بأنها صاحبة حق في ما دهبت اليه . تلك طريقة الشيخ في اسداء النصح و المشورة فهو لا تنطوي عليه حيل بعض من مرتاديه الذين يحاولون بطريقتهم منح انفسهم ما ليس لهم او ان يشهدوا لغيرهم باستحقاقهم لموضوع المسألة اما زورا أو الى غير ذلك.

و كما قلنا عنه انه يعد بنكا للمعلومات فهو كذلك بنك للامانات ، اذ قديما كانت تترك عنده ودائع و اموال المتراوحة بين المبالغ اليسيرة و الكبيرة ، الى حين رغبت اصحابها في استردادها ، و كان اكثرهم الجالية التوروكية خاصة منها القاطنة بالديار الفرنسية . و كانت لطريقة عمي حساين في تخزينها اسلوبه الخاص ، فقد كان يخبؤها في علب الشاي القديمة و كان يغرسها في التبن و كل مرة يغير موضعها.

منذ 1952 و هو يحضر ما نسميه بتوروك ب (أخلض) على اعتبار انه من الذين يضبطون هذا العمل الذهني الذي يحتاج لذاكرة حاسوبية كتلك التي يملكها الشيخ ،  و هو بإيجاز تجمع يتم من خلاله تقسيم بيوعات حصص الماء . الذي يقام كل ال 14 من شهر ماي من كل سنة  (1مايو فلاحي).

قليلون هم من على شاكلته فهو رغم فقدانه لحبيبتيه (عيناه) ، إلا ان بطولاته و التي تصعب على المبصرين ان يقوموا بها ، فعلها هو ، و كان ثمنها ان زج به في السجن و خسر هنالك ما تيسر من حياته فما قصة ذلك يا ترى ؟

كان السيد (ل.م) قبل وفاته رحمه الله ، الذي تم تخزينه في منزل من منازل توروك مطلوبا ابان حقبة الانقلاب في عمليات تمشيط و بحث واسعة عن رجال مشتبه فيهم . ولم يكن الا القليلون جدا هم من يعلمون عن مخبا (ل.م)  و من بينهم شخصيتنا لهذا اليوم ، و ضل هناك مدة 15 سنة دون ان يعلم له اثر من قبل الباحثين عنه . و ما كان منهم بعد انصرام كل ذاك العمر و معرفتهم بمخبئه اخيرا إلا أن سجن عمي حساين جزاءا لكتمانه و تستره البطولي عن (ل.م) رحمه الله.

هكذا تكون همة الرجال الاشداء الكاتمين للسر الحافظين للعهد ، متعه الله بالصحة و اكرمه و أطال في عمره.
 
ابراهيم الزرهوني

 

تعليقات (0)

أضف تعليقـك

Reload Image
أدخل الرمز*: